في هذه المدونة، سنغوص في الأسباب التي أدت إلى سقوط PES، ونحلل التحولات الرئيسية التي مرت بها اللعبة وكيف فقدت شعبيتها التي استمرت لعقود.
البداية الذهبية: تأسيس سلسلة أسطورية
عند إطلاق Winning Eleven في اليابان في أواخر التسعينيات، كان الهدف الرئيسي منها هو تقديم تجربة لعب كرة قدم واقعية تضع اللاعب في قلب الحدث. في ذلك الوقت، كانت معظم ألعاب كرة القدم تعتمد على نماذج تحكم بسيطة وأسلوب لعب تقليدي يفتقر إلى العمق التكتيكي. جاءت PES لتغير هذا المفهوم كليًا، حيث قدمت تحكمًا أدق في اللاعبين، فيزياء كرة أكثر واقعية، ورسوميات متقدمة مقارنة بألعاب تلك الحقبة.
في بداية الألفينات، ومع صعود أجهزة PlayStation، أصبحت PES الخيار الأول لعشاق كرة القدم الذين يبحثون عن محاكاة حقيقية لأجواء الملعب. تميزت اللعبة بأنها لم تعتمد فقط على ترخيص أسماء اللاعبين والفرق كما فعلت FIFA، بل ركزت على تقديم تجربة لعب عميقة تعتمد على التكتيك والتحكم المتقن. هذه الفترة الذهبية شهدت تفوق PES على منافستها، حيث اعتبرها الكثيرون الخيار الأفضل بين ألعاب كرة القدم.
العصر الذهبي لـ PES: القمة مقابل FIFA
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، خاصةً من 2001 إلى 2008، كانت PES في قمة مجدها. كانت اللعبة تملك كل شيء تقريبًا لجذب اللاعبين. التحكم الديناميكي، الفيزياء الواقعية للكرة، والتكتيكات المعقدة جعلت منها اللعبة المثالية لعشاق كرة القدم الذين يريدون تجربة قريبة من الواقع.
حتى في تلك الفترة، وعلى الرغم من أن FIFA كانت تستثمر بشكل كبير في حقوق الترخيص من الأندية والبطولات، كان التركيز على الواقعية والتحكم في PES يجعلها الخيار الأكثر تفضيلاً. كان اللاعبون يشعرون أن كل هدف يسجلونه في PES يمثل تحديًا استراتيجيًا حقيقيًا، وليس مجرد نتيجة لتحكم مبسط أو فيزياء غير واقعية.
بداية الانحدار: مشاكل الانتقال إلى الجيل الجديد
بدأت المشاكل تظهر في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مع قدوم الجيل الجديد من أجهزة الألعاب مثل PlayStation 3 و Xbox 360. في حين كانت التوقعات كبيرة بأن تتكيف PES مع التكنولوجيا الجديدة وتواصل ريادتها في مجال محاكاة كرة القدم، بدا أن السلسلة لم تستطع مواكبة التقدم السريع في تطوير الألعاب.
في المقابل، كانت FIFA تستغل هذا التحول بأقصى طاقتها. قامت EA Sports بتطوير محرك جديد للألعاب، وهو محرك Ignite الذي سمح بتحسينات هائلة في الرسوميات والذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى ذلك، استفادت FIFA من عقود الترخيص الكبيرة التي وقعتها مع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي والإسباني، مما أعطاها ميزة تنافسية قوية في تقديم الفرق واللاعبين بأسمائهم الحقيقية.
في تلك المرحلة، بدأ عشاق PES يشعرون بأن اللعبة تتخلف من حيث الرسوميات والتجربة الشاملة، خاصة عند مقارنتها بما كانت تقدمه FIFA من تجربة متكاملة مع ترخيصات شاملة ورسوميات محسنة.
العائق الأكبر: مشاكل الترخيص
من أبرز الأسباب التي ساهمت في تراجع شعبية PES كانت مسألة الترخيصات. بينما كانت FIFA تتباهى بامتلاك حقوق حصرية لعدد كبير من البطولات والفرق الشهيرة، كانت PES تعتمد على فرق وأسماء غير مرخصة، وغالبًا ما كانت تقدم فرقًا بأسماء مزيفة أو شعارات غير أصلية.
رغم أن بعض عشاق PES كانوا يتجاوزون هذه المشكلة من خلال المودات وتعديلات اللاعبين لإضافة الفرق والشعارات الحقيقية، إلا أن هذا لم يكن كافيًا لجذب اللاعبين العاديين الذين كانوا يفضلون تجربة لعب سهلة ومتاحة بالكامل دون الحاجة إلى التعديلات اليدوية.
صعود FIFA: استغلال التحولات في الصناعة
في نفس الوقت الذي كانت PES تعاني فيه من مشاكل فنية وتقنية، كانت FIFA تطور من نفسها باستمرار. قامت EA Sports بالاستثمار في تحسين الرسوميات، الذكاء الاصطناعي، وأنماط اللعب الجديدة مثل FUT (FIFA Ultimate Team)، الذي أصبح مصدر دخل هائل لـ FIFA وجذب ملايين اللاعبين حول العالم.
كما أن FIFA استمرت في توسيع شبكة الترخيصات الخاصة بها، حيث قدمت بطولات مثل دوري أبطال أوروبا، الدوري الأوروبي، وكأس العالم، مما جعلها الخيار الأكثر شعبية لمحبي كرة القدم.
التحول إلى eFootball: القشة التي قصمت ظهر البعير
في عام 2021، اتخذت شركة كونامي قرارًا مفاجئًا بتغيير اسم سلسلة PES إلى eFootball والانتقال إلى نموذج اللعب المجاني (Free-to-Play). هذا التحول كان يُفترض أن يجلب جمهورًا أوسع للعبة، لكنه جاء بنتائج عكسية تمامًا.
عند إطلاق eFootball 2022، واجهت اللعبة مجموعة كبيرة من المشاكل الفنية. كانت الرسوميات أدنى بكثير من المتوقع، وظهرت الكثير من الأخطاء التقنية (Glitches) التي جعلت تجربة اللعب غير مستقرة ومحبطة للكثيرين. الانتقادات انهالت على اللعبة من اللاعبين والنقاد على حد سواء، حيث وصفها البعض بأنها واحدة من أسوأ الإطلاقات في تاريخ ألعاب كرة القدم.
بالمقارنة مع FIFA، التي واصلت تقديم تجربة سلسة ومتكاملة، كان من الواضح أن PES – أو eFootball – فقدت هويتها بالكامل.
العوامل التي أدت إلى السقوط
1. التأخر التكنولوجي: عدم قدرة PES على مواكبة التحولات التقنية السريعة، وخاصة مع الانتقال إلى أجهزة الجيل الجديد.
2. مشكلة الترخيصات: عدم توفر حقوق الأندية والبطولات الرئيسية جعل اللعبة تبدو غير مكتملة بالمقارنة مع FIFA.
3. التحول الفاشل إلى eFootball: التغيير إلى نموذج اللعب المجاني صاحبه تدهور كبير في جودة اللعبة.
4. قلة التحديثات المبتكرة: بينما استمرت FIFA في تقديم أنماط لعب جديدة مثل FUT، بقيت PES تقليدية جدًا دون ابتكار جديد.
5. التواصل الضعيف مع المجتمع: على الرغم من أن PES كانت تحظى بجمهور مخلص، إلا أن كونامي لم تتمكن من الاستماع بفعالية لآراء اللاعبين وتلبية احتياجاتهم.
هل يمكن لـ PES العودة إلى الساحة؟
في ظل المنافسة الشرسة مع FIFA، تبدو عودة PES إلى مكانتها السابقة مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة. ستحتاج كونامي إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها، والعودة إلى الجذور التي جعلت PES مشهورة في المقام الأول: الواقعية، التحكم المتقن، والعمق التكتيكي. كما أن تحسينات مستمرة في محرك اللعبة والرسوميات، بالإضافة إلى الحصول على ترخيصات رئيسية، قد تكون مفتاح العودة إلى المنافسة.
في النهاية، فإن سقوط PES هو درس مهم في عالم الألعاب: النجاح يتطلب استثمارًا مستمرًا في الابتكار، التكنولوجيا، والأهم من ذلك، الاستماع إلى جمهور اللاعبين.